مـــــــــــــنتدى رومــــــكم على البالتـــواك7ewar jaree2 fee aladyan
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مـــــــــــــنتدى رومــــــكم على البالتـــواك7ewar jaree2 fee aladyan

مـــــــــــــــــنتدى_مسيحيــــــــــات_حقوق انســـــــــــــــــان_ اســــــــــــلامــــــــــــــــيات
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 إستحالة تحريف الكتاب المقدس إسلامياً

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
margerges_4jc
Admin



عدد المساهمات : 567
نقاط : 1711
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 18/08/2010

إستحالة تحريف الكتاب المقدس إسلامياً Empty
مُساهمةموضوع: إستحالة تحريف الكتاب المقدس إسلامياً   إستحالة تحريف الكتاب المقدس إسلامياً I_icon_minitimeالأحد سبتمبر 05, 2010 9:52 am

إستحالة تحريف الكتاب المقدس إسلامياً

الكتاب المقدس هو الكتاب الموحى به من الله، والتاريخ الصادق لسيرة ابنه الإلهي المتأنّس، وأعماله وتعاليمه، وهو الدستور الأدبي والاجتماعي الذي به وفيه تمدُّن البشر وترقّيهم في معارج الكمال. يؤمن به المسيحي، ويعتبره الركن الوطيد لدينه، وينظر إليه غيره بعين الإجلال كسِفْرٍ منزَل من عند الله.



ويثبت تنزيل الكتاب إسلامياً من:

1 - الآيات القرآنية التي تصرّح بذلك.

2 - الألقاب التي لقّب بها القرآن الكتاب المقدس والتي تدل على تنزيله.

3 - الصفات التي نعت بها القرآن الكتاب المقدس.



أولاً: تنزيل الكتاب المقدس

تنزيل التوراة:

وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلّ كُمْ تَهْتَدُونَ (البقرة 2: 53). ويقول البيضاوي في تفسيره: الفرقان يعني التوراة الجامع بين كونه كتاباً منزلاً وحجة تفرق بين الحق والباطل.

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (الأنبياء 21: 48) وقال البيضاوي: أي الكتاب الجامع لكونه فارقاً بين الحق والباطل وضياء يستضاء به في ظلمات الحيرة والجهالة، وذكراً يتعظ به المتقون، أو ذكر ما يحتاجون إليه من الشرائع.

وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ (الجاثية 45: 16) وقال البيضاوي: الكتاب هو التوراة، والحكم الحكمة النظرية والعلمية أو فصل الخصومات، والنبوّة إذ كثر فيهم الأنبياء ما لم يكثر في غيرهم وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ ,,,وَآتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ (الصافات 37: 114 و117).

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلاَ تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ (السجدة 32: 23).

قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الّذي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ,,, قُلِ اللّهُ (الأنعام 6: 91).

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدىً وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (غافر 40: 53،54).

وَمِنْ قَبْلِهِ (أي من قبل القرآن) كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً (هود 11: 17)

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ (البقرة 2: 87).

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ (المائدة 5: 43).

وإِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ (المائدة 5: 44).



تنزيل الزبور (المزامير)

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (الأنبياء 21: 105).

وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً (الإسراء 17: 55



تنزيل الإنجيل:

تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ,,, وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (سورة البقرة 2: 87 و253

وثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ (سورة الحديد 57: 27)

وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ,,, وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (سورة المائدة 5: 46، 47).

وقَالَ إِنِّي عَبْدُ اللّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً (سورة مريم 19: 30) 4.

وَيُعَلّمهُ (المسيح) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (سورة آل عمران 3: 48)

وإِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ,,, عَلّمتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (سورة المائدة 5: 110) ;



تنزيل الكتاب المقدس:

والّذينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ (سورة الأنعام 6: 20)

وفَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ (سورة يونس 10: 94)

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ ويَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ (سورة العنكبوت 29: 27)

وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمْ (سورة الشورى 42: 15)

وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الّذينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالّذي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ (سورة العنكبوت 29: 46).

وأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ (سورة آل عمران 3: 3، 4)

وجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (سورة فاطر 35: 25)

ومَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (سورة الأنبياء 21: 7)



فَمِن الآيات الصريحة السابقة (وكثير غيرها) يتضح جلياً أنّ القرآن يشهد للكتاب المقدس (بعهديه القديم والجديد) بالوحي والتنزيل من لدن الله تعالى. وإنّا لا نرى لوضوحها وصراحتها حاجة إلى التعليق عليها.



ثانياً: ألقاب الكتاب المقدس

فالقرآن يدعوه الكتاب. وقد ذُكر هذا التعبير وصفاً للكتاب المقدس أكثر من عشرين مرة في سُوَر آل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف والأحزاب. كما دعاه الفرقان في سورتي الفرقان والبقرة. كما سمّاه الذِكر في سورة الأنبياء.

ومعلوم أنّ هذه الألقاب - الكتاب والذِكر والفرقان - لَقَّب بها القرآن نفسه (راجع سُوَرَ آل عمران والفرقان وطه وغيرها). فإذا كان القرآن قد أعطى الكتاب المقدس نفس الألقاب التي لقب بها نفسه، فهذا اعتراف صريح منه بتنزيل الكتاب المقدس ووحيه.



ثالثاً: صفات الكتاب المقدس

وحسبنا هنا أن نورد هذه الآيات:

إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ (سورة المائدة 5: 44)

وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ,,, وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (سورة المائدة 5: 46)

ومِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً (سورة هود 11: 17

وأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ هُدىً وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (سورة غافر 40: 53، 54) ,

ولَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَرَحْمَةً (سورة القصص 28: 43)

وثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الّذي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً (سورة الأنعام 6: 154)

فنرى القرآن في هذه الآيات قد وصف الكتاب المقدس بأوصاف لا تليق إلا بكتاب منزل.

فيحق لنا أن نقول إنّ القرآن يضع الكتاب المقدس وإياه في صف واحد بلا أدنى تمييز، معتبراً إياه كتاباً منزلاً.

نستخلص مما سبق أنّ القرآن يصرّح، بما ذكر عن الكتاب المقدس من صريح الآيات، أنّه كتاب منزل، لا يأتيه الشك من بين يديه ولا من خلفه.



الكتاب المقدس غير محرف

جئنا في البحث السابق ببعض الآيات التي تفيد تنزيل الكتاب المقدس ووحيه، وهي صريحة كما رآها القارئ، لا تحتاج إلى تعليق أو شرح وزيادة بيان. ولكن بقي عامة المسلمين على اعتقاد أنّ الكتاب المقدس قد لعبت به الأيدي، وضاعت قيمته بالحذف تارة وبالزيادة تارة أخرى، ونراهم يسلكون في دعواهم هذه دروباً يتكلفون في سبيلها كثيراً من الإجهاد والمشقة، مع أنهم لا يسندونها إلى زمان معلوم، أو مكان معيّن، أو فاعل معروف. وهم بعدم إسنادهم هذا قد أسقطوا دعواهم، فدعوى المدَّعي، مجرَّدة عن كل بيِّنة وبرهان، لا تكون مسنداً للحكم، لأنّ التحريف صفة عارضة، وحَدَثٌ يجب أن يُسند إلى فاعل وزمان ومكان، ويجب أيضاً لإثباته أن يُظهِروا لنا الكتاب الحقيقي الذي لم تلعب به الأيدي.



على أنّ هذا التحريف المزعوم أمر لم يكن - ولن يكون - في الاستطاعة حدوثه، لانتشار الكتاب بأيدي المؤمنين في كثير من جهات الدنيا، قبل الإسلام وبعده, فلو أُريد تغييره أو تبديله، أو تحريفه بالزيادة عليه أو النقص منه، للزم جمع كل نسخه وتحريفها، أو إبدالها بسواها، وهذا - كما يظهر لأول وهلة لكل ذي عقل سليم - أمر مستحيل، لتفاوت الشعوب المؤمنة بالكتاب: في اللغة والبيئة. ولن يمكن إتمام مثل هذا التحريف إلا إذا تواطأ الجميع عليه، وهذا أيضاً أمر مستحيل. ولو وقع لكان عثرة للناس، ومفسدة للعقيدة، ومضيعة لقداسة الكتاب، ودافعاً إلى الحط من قيمته ككتاب منزل، لأنّ إبدال حرف واحد في سفر مقدس يفضي إلى الشك فيه كله، فالعيب في البعض يذهب بصحة الكل، وصانع التمثال لا يعبده!



والكتاب إن كان قد حُرِّف حقيقة - كما يزعمون - فإمّا أن يكون هذا التحريف قد وقع قبل ظهور الإسلام وإمّا بعده. والآن لنرى ما يقول القرآن في هذا:



سلامة الكتاب من التحريف

أولاً: قبل ظهور الإسلام:

(أ) جاء القرآن مصدقاً لما في الكتاب المقدس، وفي هذا شهادة ضمنية بسلامة الكتاب من التحريف. قال:

وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة يونس 10: 37).

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ وتَفْصِيلَ كُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (سورة يوسف 12: 111) ,

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ وَآمِنُوا بِمَا أَنْزَلْتُ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ (سورة البقرة 2: 40، 41)

ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ (سورة آل عمران 3: 81)

قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة البقرة 2: 97)

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ,,, نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ (سورة البقرة 2: 89، 101).

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا مَعَهُمْ (سورة البقرة 2: 91)

نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ (سورة آل عمران 3: 3، 4)

وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الّذي بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة الأنعام 6: 92)

وَالّذي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ (سورة فاطر 35: 31).

يَا أَيُّهَا الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ (سورة النساء 4: 47)



فهل بعد هذا يستطيع قائل أن يدّعي أنّ الكتاب المقدس قد حُرّف قبل ظهور الإسلام؟ فإن كابر وادّعى فهل يكون من المعقول أنّ نبي الإسلام يشهد كل هذه الشهادات القاطعة، وينعت بكل جميل كتاباً وقع فيه التحريف؟ وكيف يعقل أنّ الله - وهو في الاعتقاد الإسلامي مُنزل القرآن - يخدع الناس ويكذب عليهم ويؤيد باطلاً ويشهد لمحرَّف؟

حقاً أنه قبل ظهور الإسلام عظم الخلاف بين اليهود والنصارى، وكثر الشقاق بين الطوائف والمذاهب، ولكن لم يجسر أحد على مسّ الكتاب فهم لم يختلفوا في شيء منه، وإنما اختلفوا في تفسيره.



ولو كان الكتاب قد حُرِّف قبل ظهور الإسلام للزم أن يتحاشى القرآن ذكره بهذه التجلة وذلك التقديس، ولوجب ألا يغمض عينيه على هذا القذى، لاسيما وأن من الخير له أن يكشفه للناس، لينزل بالكتاب عن درجة حرمته وقداسته والثقة به إلى هوَّة الإنتهاك له، والسخرية به والشك فيه، وترويجاً لدعوة الإسلام.



أما وأنّ القرآن يصرّح أنه جاء مصدقاً لما بين يديه ويحرِّض على التمسك به والاحتكام إليه، ويدعو إلى الإيمان بما فيه. ويثني عليه الثناء العاطر الجميل، فلا مفرّ من التسليم بسلامة الكتاب من التحريف قبل ظهور الإسلام، وإلا لأضحى كلام القرآن عبثاً، لأنه يكون تصديقاً لمحرَّف، وهيمنةً على باطل.



(ب) الآيات التي تدل على بقاء الكتاب سليماً من كل تحريف. قال:

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الّذينَ يَقْرَأُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ (سورة يونس 10: 94).وقال البيضاوي في تفسيره: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك من القصص على سبيل الفرض والتقدير فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك فإنه محقَّق عندهم ثابت في كتبهم على نحو ما ألقينا إليك، والمراد تحقيق ذلك، والإستشهاد بما في الكتب المتقدمة وأنّ القرآن مصدّق لما فيها. وفي تفسير الجلالين: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك من القصص فرضاً فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك فإنه ثابت عندهم يخبروك بصدقه. فكيف يرضى نبي الإسلام لنفسه أن يسأل عن شكه قوماً حرَّفوا كتابهم، إن كان قد آنس في الكتاب أثر التحريف؟ والذين يقرأون الكتاب من قبله لا يؤدون عملاً، ولا يجيبون جواباً الّا مسنداً إلى هذا الكتاب؟



فالإحالة على أهل الكتاب، والقول بأنّ القرآن مصدِّق لما في الكتب الإلهية المقدسة، من غير ما تخصيص بفرقة خاصة منهم، ولا إرتكان على نصوص معينة من الكتاب، دليل كاف على صدقه وسلامته من التحريف وإلا ما اُتخذ شاهداً ومؤيداً ودليلاً.



فإن قيل إنّ بعض علماء الكتاب كانوا مقيمين على تعاليم مصونة عندهم لم يمسها التحريف، وإنّ الإحالة كانت مقصورة على هؤلاء، قلنا إنّ التاريخ - والقرآن نفسه أحد أركانه ومستنداته - ناطق بأن العلماء جميعاً كانوا أول معارضي الدين الجديد. على أن مقتضى الإحالة أن تكون عامة. كما هي في مورد النص لتثبت الحجة، ويقوم الدليل الذي لا مفر من التسليم به.



وقال في المائدة 5: 43: وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَالْمُؤْمِنِينَ.وجاء في تفسير الجلالين لهذه الآية: وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله بالرجم. إستفهام تعجب. أي لم يقصدوا بذلك معرفة الحق، بل ما هو أهون عليهم. ومن هذا يتضح أنّ اليهود لم يمسّوا التوراة بالتحريف حتى فيما كان يخالف أهواءهم منها.



وقال في سورة الجمعة 62: 5مَثَلُ الّذينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً وقال البيضاوي في تفسيره: مثل الذين حملوا التوراة علموها وكُلفوا العمل بها ثم لم يحملوها، لم يعملوا بها أو لم ينتفعوا بما فيها، كمثل الحمار يحمل أسفاراً أي كتباً من العلم يتعب في حملها ولا يستفيد بها. وفي هذا إشارة إلى عدم مس التوراة بتحريف ما، بل دليل فقط على عدم فهمها والعمل بها، لأن الحمار إذا حمل أسفاراً لا يفهمها، لكنه لا يقدر أن يتعرض لها بتحريف أو تغيير.



وقال في سورة آل عمران 3: 93كُلّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ الّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ,,, قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ويقول البيضاوي: أمر بمحاجتهم بكتابهم وتبكيتهم بما فيه من أنه قد حرم عليهم بسبب ظلمهم ما لم يكن محرماً. فكيف يطالب القرآن اليهود بتلاوة التوراة لمعرفة الحق، وكيف يحكمهم ليسترشدوا بهديها إن كانت قد حُرفت؟



وحسبنا هذه الآيات في هذا الشأن. ومن أراد الزيادة فليقرأ سورة النساء والأعراف والرعد والأنبياء، ففيها نصوص عديدة تؤكد ما ذهبنا إليه.



ثانياً:

عدم حدوث التحريف بعد ظهور الإسلام

جاء في سورة المائدة 5: 48وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ.قال البيضاوي في تفسير هذه الآية: مهيمناً عليه رقيباً على سائر الكتب يحفظها من التغيير ويشهد لها بالصحة والثبات. فالقول بهيمنة القرآن على التوراة والإنجيل دليل على أنّ الإسلام يسلم بأنهما قد حُفظا - ويُحفظان سالمين لم تلعب بهما أيدي المحرفين.



فدعوى أن التحريف قد وقع بعد ظهور الإسلام دعوى باطلة، وليس في التاريخ إشارة ما إلى وقوع مثل هذا الحادث الجلل،كما أنّ وقوعه أمر مستحيل، كما بينّا في كلامنا السابق. فالكتاب الذي تتداوله اليوم أيدي أهل الكتاب هو هو ذات الكتاب الذي كان بين أيديهم وقت ظهور الإسلام، هو هو نفس الكتاب الذي أوحي به إلى موسى والنبيين من ربهم، هو هو عين الكتاب الذي صدر عن الرسل. دليلنا على ذلك أنّ عقيدتهم اليوم هي ذات عقيدتهم يوم ظهر الإسلام، يؤكد هذا ما جاء في أسباب التنزيل لقوله في سورة مريم 19: 16 - 34 وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً,,, ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الّذي فِيهِ يَمْتَرُون فلم يذكر القرآن هنا أن المسيح كلمة الله ألقاها إلى مريم وروح منه. وقد جاء في أسباب التنزيل أن النصارى اعترضوا محمداً كيف لم يذكر هنا أن المسيح ابن الله، مما يدل على أنّهم كانوا يعتقدون فيه ما نعتقد نحن اليوم. ولا شك أن هذا المعتقد جاءهم من الكتاب الذي كان بين أيديهم، وجاء القرآن مصدقاً لما فيه ومهيمناً عليه.



ثم أن المسيحية وقت ظهور الإسلام كانت منتشرة في كثير من ممالك الدنيا كتركيا والشام ومصر واليونان والهند والعجم وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وإنجلترا، فهل يا ترى يسلم العقل أن النصارى الموجودين في كل هذه البلاد المتباعدة يجتمعون ويتفقون على تحريف كتابهم الذي يقدسونه إلى اليوم، ويجودون بالأموال والأرواح في سبيل الذود عنه وحمايته من كل عدوان؟



ثالثاً:

استحالة التحريف قبل ظهور الإسلام وبعده

جاء في سورة الحجر 15: 9إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ وفي تفسير الجلالين لهذه الآية: إنه يحفظ ما أنزله من التبديل والتحريف والزيادة والنقص. والتوراة والإنجيل كتابان إلهيان أنزلهما الله، كما أثبتنا ذلك في البحث الأول من هذا الباب، وقد نعتهما القرآن بالذكر كما جاء في سورة الأنبياء 21: 7 و48 و105 فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ - وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ - وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ.



فما دام الله قد وعد بحفظ الذكر، والله غير مخلف وعده، فتحتم إستحالة تغيير الكتاب بالتحريف والتبديل لأنّ الله أنزله، وهو له حافظ، وعليه رقيب.



وجاء في سورة الكهف 18: 27لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ، وفي سورة يونس 10: 64: لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ.وفي سورة الأنعام 6: 34، 115لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ.وأيضاً: لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وفي سورة الفتح 48: 23: وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّهِ تَبْدِيلاً.والتوراة والإنجيل كلام الله، ولا يمكن أن يدخل شيء من التبديل أو التحريف على كلامه جلّ شأنه.

والنتيجة إذن أنّ الكتاب المقدس لم ولن يلحقه تحريف,



الردّ على دعوى التحريف

قديماً قيل: لو عُرف السبب بطل العجب. فجدير بنا هنا أن نأتي على ذكر الأسباب التي تدفع عامة المسلمين إلى اتهام الكتاب المقدس بالتحريف. والذي نراه دافعاً لهذا أسباب أربعة:

(1) لفظ التحريف الذي ذكره القرآن.

(2) فكرة المسلمين عن الوحي الإلهي والإنجيل.

(3) ذكر حوادث الصلب والدفن والقيامة ضمن نصوص الكتاب المقدس.

(4) عدم ذكر اسم محمد فيه.



السبب الأول: التحريف

يدّعي إخوتنا المسلمون أنّ الكتاب قد حُرّف لأنّ القرآن اتّهم ضمن آياته أهل الكتاب بتحريف كتابهم. ولنأت بهذه الآيات ثم نعقب بردِّنا عليها:



جاء في سورة البقرة 2: 42: وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ.

قال الرازي في تفسير هذه الآية: ولا تلبسوا الحق بسبب الشبهات التي توردونها على السامعين، لأنّ النصوص الواردة في التوراة والإنجيل بخصوص محمد كانت نصوصاً خفية يحتاج في معرفتها إلى الاستدلال. ثم أنّهم كانوا يجادلون فيها ويشوّشون وجه الدلالة على المتأملين فيها بسبب إلقاء الشبهات، فهذا هو المقصود بقوله: ولا تلبسوا الحق بالباطل. وقال البيضاوي في تفسيره: ... واللبس الخفاء، وقد يلزمه جهل الشيء مشتبهاً بغيره، والمعنى: لا تخلطوا الحق المنزل عليكم بالباطل الذي تخترعونه وتكتمونه حتى لا يميز بينهما، أو: ولا تجعلوا الحق ملتبساً بسبب خلط الباطل الذي تكتمونه في خلاله، أو تذكرونه في تأويله... وتكتموا الحق... نهوا عن الإخلال بالتلبس على من سمع الحق، والإخفاء على من لم يسمعه. وحاصل هذا التفسير أنّ الغرض من اللبس ليس التحريف بل التأويل والإخفاء، وهذا حجة على أنّ أهل الكتاب حافظوا على كتابهم.



وقال أيضاً في البقرة 2: 75: أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ قال البيضاوي: فريق منهم طائفة من أسلافهم أي اليهود يسمعون كلام الله يعني التوراة ثم يحرفونه كنعت محمد وآية الرجم، أو تأويله فيفسرونه بما يشتهون. من بعد ما عقلوه أي فهموه بعقولهم ولم يبق لهم فيه شك. فظاهر أنّ المقصود بالتحريف هنا أيضاً التأويل الفاسد والإخفاء.



وقال أيضاً في البقرة 2: 101وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ.



قال الرازي في تفسير هذه الآية ما ملخصه: إنّ الذي نبذه أهل الكتاب هو التوراة بعدولهم عنه عن علم ومعرفة. وقال البيضاوي: وأعلم أنّ الله دلّ بالآيتين على أنّ جيل اليهود أربع فرق: فرقة آمنوا بالتوراة وقاموا بحقوقها كمؤمني أهل الكتاب، وهم الأقلون... وفرقة جاهروا بنبذ عهودها وتخطي حدودها تمرداً وفسوقاً، وهم المعنيون بقوله: نبذ فريق منهم. وفرقة لم يجاهروا بنبذها ولكن نبذوها لجهلهم، وهم الأكثرون. وفرقة تمسكوا بها ظاهراً ونبذوها خفية عالمين بالحال بغياً وعناداً، وهم المتجاهلون. وحاصل هذه الآية وتفسيرها الإقرار ببقاء التوراة دون تحريف. وما كان تلاعب اليهود فيها إلا بالإخفاء وفساد التأويل.



وقال أيضاً في البقرة 2: 174: إِنَّ الّذينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ الّا النَّارَ وَلَا يُكَلّمهُمُ اللّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.



وفسّر الرازي هذه الآية بما ملخصه: إنّ أهل الكتاب كانوا يكتمون صفة محمد ونعته والبشارة به، وهو قول ابن عباس وقتادة والأصم وابن مسلم، وقد اختلفوا في كيفية الكتمان. فالمروي عن ابن عباس أنّهم كانوا محرفين يحرفون التوراة والإنجيل. وعند المتكلمين هذا ممتنع لأنّهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما, بل كانوا يكتمون التأويل، لأنّه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوَّة محمد، وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة عن محاملها الصحيحة. فهذا هو المراد من الكتمان، فيصير المعنى: إنّ الذين يكتمون معاني ما أنزل الله.



ومن هذا التفسير نستخلص:

(1) لا يصح أن تُتخذ الآية دليلاً على تحريف الكتاب.

(2) التحريف المقصود هو الكتمان وفساد التفسير.

(3) تحريف أهل الكتاب كتابهم مستحيل حسب إقرار الإمام الرازي.



وقال في سورة آل عمران 3: 70يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ.

فسرها الرازي بأن المقصود بآيات الله الآيات الواردة في التوراة والإنجيل المبشِّرة بمحمد، وأنّ أهل الكتاب كانوا ينكرون وجود هذه الآيات أمام المسلمين وعوامهم، فإذا خلوا بعضهم إلى بعض شهدوا بصحتها.

وفي الإشارة إلى شهاداتهم بصحتها دليل على أنَّ التحريف كان بالكتمان وفساد التأويل.



كما جاء في آل عمران 3: 78: وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ.



وقد تساءل الرازي: كيف يمكن إدخال التحريف في التوراة مع شهرتها العظيمة بين الناس؟ وأجاب أن هذا العمل ربما يكون قد صدر عن نفر قليل يجوز عليهم التواطؤ، والأصوب عندي أن الآيات الدالة على نبوّة محمد كانت تحتاج إلى تدقيق النظر وتأمل القلب، والقوم كانوا يوردون عليها الأسئلة المشوشة والإعتراضات المظلمة فتصبح هذه الآيات غامضة على السامعين، واليهود كانوا يقولون مراد الله من الآيات ما ذكرنا لا ما ذكرتم، فهذا هو المراد بالتحريف ولوي الألسنة.



ويتضح لنا من هذه الآية وتفسيرها:

(1) الشعور بصعوبة القول بتحريف الكتاب.

(2) الضعف في تعليل ذلك التحريف المزعوم.

(3) استصوب الرازي الرأي القائل إن معنى التحريف هو التأويل الفاسد والتعمية في التفسير.



وجاء أيضاً في آل عمران 3: 187 وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيَثاقَ الّذينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ.



وفسّر الرازي والبيضاوي والجلالان وغيرهم من المفسرين هذه الآية بما لا يخرج عن معنى التفسير المذكور في الآية السابقة.



وجاء في النساء 4: 46: مِنَ الّذينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا....

ويقول الرازي في تفسيره ما ملخصه: إنّهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر، فإن قيل: كيف يمكن هذا في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب؟ قلنا: لعل القوم كانوا قليلين والعلماء بالكتاب غاية في القلة فقدروا على هذا التحريف.



ثم أتى الرازي برأي آخر قائلاً: إنّ المراد بالتحريف إلقاء الشبهة الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية، كما يفعله أهل البدعة بالآيات المخالفة لمذهبهم، وهذا هو الأصح.



وخلاصة هذا التفسير:

(1) ضعف تعليل وقوع التحريف.

(2) الأصح في المراد بالتحريف هو التفسير الفاسد.

(3) إنّ هذا عينه كان يجريه أصحاب المذاهب المبتدعة الإسلامية في القرآن المسلّم بأنه لم يحرَّف.



وجاء في المائدة 5: 41: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ويفسرها البيضاوي بقوله: من بعد مواضعه أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها... رُوي أنّ شريفاً من خيبر زنى بشريفة، وكانا مُحْصَنَين، فكره اليهود رجمهما، فأرسلوهما مع رهط إلى بني قريظة ليسألوا رسول الله عنهما، وقالوا إنْ أمركم بالجلد والتحميم فاقبلوا، وإن أمركم بالرجم فلا. فأمرهم بالرجم فأبوا عنه. فجعل ابن صوريا حكماً بينه وبينهم وقال له: أنشدك الله الذي لا إله إلا هو، الذي فرق البحر لموسى، ورفع فوقكم الطور، وأنجاكم وأغرق آل فرعون، والذي أنزل عليكم كتابه حلاله وحرامه، هل تجدون فيه الرجم على من أحصن... قال: نعم. فوثبوا عليه. فقال خفت إن كذبته أن ينزل علينا العذاب. وقال الرازي: من بعد مواضعه أي بعد أن وضعه الله مواضعه، أي فرض فروضه، وأحل حلاله وحرم حرامه. وهنا المقصود بقوله إنهم وضعوا الجَلْد مكان الرجْم في حادثة زنى اثنين من أشراف قريش. وقد ذُكرت هذه الحادثة في كتاب (أسباب التنزيل) مما يدل على أن المقصود بالتحريف ليس هو التغيير اللفظي، بل الإخفاء وفساد التفسير، كما تبين في تفاسير الآيات السابقة، وفي هذا دفع لادّعاء التحريف المزعوم.



نستنبط من كل ما سبق من الآيات القرآنية وتفاسيرها عن دعوى تحريف الكتاب المقدس قبل عصر الإسلام:



1 - التحريف لغة هو صرف أو إمالة الشيء عن أصله. وقال أكثر المفسرين إنّ تحريف الكتب المقدسة معناه الصرف الفاسد. ومن قال منهم بغير ذلك لم يحكم جازماً بوقوع التحريف اللفظي، بل كان يصرح باحتمال الوجهين، ثم يرجحون القول بالتحريف المعنوي.

2 - المعقول هو حمل كلمة التحريف على معنى التحريف المعنوي، لصعوبة التحريف اللفظي، كما أقر بذلك أكثر المفسرين. وقد قال الرازي عند تفسيره المائدة 5: 41: التحريف يحتمل التأويل الباطل لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتّى فيه تغيير اللفظ.

3 - على فرض حصول التحريف يكون قد حدث في التوراة دون مساس بالإنجيل، لأن آيات القرآن التي ذكر فيها التحريف نزلت في اليهود، ولا تشير قط إلى النصارى. وإذاً نستطيع أن نجزم بأنه لا برهان من القرآن على تحريف الإنجيل مطلقاً.

4 - لم يرمِ القرآن كل اليهود بتحريف التوراة (على فرض أن المقصود به تحريف لفظي) إنما وقع من بعض اليهود, وعلى ذلك فأكثر نسخ التوراة عند بقية اليهود لم يمسها التحريف.

5 - لم يرمِ القرآن اليهود بتحريف جميع التوراة، بل بتحريف بعض آياتها.

6 - لم يرد من آيات التحريف شيء في السّور المكية، بل أنّ ما ورد في السّور المكية عن التوراة والإنجيل كان مدحاً وتعظيماً. ومعلوم أن السّور المكية سبقت السّور المدنية، فلو كان هناك تحريف في الكتاب لأُشير إليه منذ البداءة عوض المدح والإطراء.



قال الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير: التحريف والتغيير والتبديل هو إمالة الشيء عن حقه، وهذا هو معنى التحريف في اللغة. ومتى نُسب إلى الكتب السماوية كان القصود به إمالة كلام الله عن مقصده الإلهي، ومعناه الحقيقي. ويشترط في حصول التحريف شروط ثلاثة: (1) إنّ التحريف يصير بمعرفة صانعه. (2) أن يصنعه الفاعل عمداً وبقصد. (3) أنّه لا يحصل ولا يقوم إلا بإفساد النص الحقيقي.



ثم قال الرازي: وقد بدأت بذكر الشرط الأول لأنه بحسب قرآننا الشريف هو الذنب الثقيل الذي ليس له مثيل, ولكن إن حدث بدون معرفة الفاعل أي بجهل فلا يكون ذنباً. والنتيجة أن القرآن حين يذكر تحريفاً ما، يريد التحريف الحاصل بمعرفة فاعله. دليل ذلك الآيات المذكور فيها أن الناس يحرفون الكتب السماوية وهم يعلمون. وقد ثنيت بالشرط الثاني، لأن تحريف أيّ كتاب هو فعل شنيع وتجاسر فظيع ارتكبه الفاعل. وكل فعل شنيع هو جرم وذنب. ولا بد أن يكون الجرم مرتكباً عمداً ومفعولاً قصداً. ثم ختمت بالشرط الثالث، وهو أن التحريف يقوم في إفساد معنى النص الحقيقي، لأن هذا هو أصل كلمة تحريف - أعني إمالة الشيء عن حقه، فإن لم تحصل الإمالة لم يحصل التحريف.



ثم قال الرازي: واعلم أنه يمكن تبديل وتحريف الكتب المقدسة بطرق شتى منها:

1 - زيادة كلمات أو عبارات لم تكن في النص الأصلي.

2 - حذف كلمات أو عبارات كانت في الأصل.

3 - تبديل الكلمات أو العبارات وتعويضها بما ينافيها لفظاً ومعنى.

4 - تغيير بعض الألفاظ عند إلقائها على السامعين كي لا يستفيدوا ولا يعرفوا الحق المبين.

5 - الضرب صفحاً عن بعض النصوص في القراءة.

6 - تعليم العامة تعليماً مبايناً لتعليم الله في كتابه، وخداعهم بأن هذا التعليم المحرَّف هو المستفاد منه.

7 - تأويل بعض كلمات مجازية تأويلاً كاذباً ومغايراً للمعنى المقصود.

8 - تفسير بعض الآيات الغامضة المعنى تفسيراً محرَّفاً.



وقد زاد البعض على ذلك طريقة أخرى، وهي تأليف كتب كاذبة وادّعاء مؤلفيها أنها موحاة من لدن العلي الأعلى، ولكن هذا الفعل ليس من باب التحريف في شيء، لأن التحريف هو تغيير كلام الله أو إمالته عن حقه. فالنتيجة أن إذاعة كتب كاذبة، والادعاء بأنها موحى بها من الله، ليس من باب التحريف بل من باب الكذب.



ثم أن أنواع التحريف الثمانية المذكورة تنقسم قسمين: ظاهر ومقدَّر. فالتحريف الظاهر هو الثلاثة المذكورة أولاً. والتحريف المقدر هو الخمسة الأخيرة.



ويحق لنا هنا أن نسأل: هل هذا التحريف المزعوم لفظي أو تقديري؟ فإن كان تحريفاً لفظياً فهل حدث يا ترى بمعرفة وقصد؟ أم وقع سهواً وبدون معرفة؟ وإن كان لفظياً وبمعرفة وقصد. فليقولوا لنا في أيّ قسم من قسمي الكتاب وقع؟ هل أصاب العهد القديم (التوراة) أم وقع في العهد الجديد (الإنجيل)؟



إن قالوا: إنه قد وقع في التوراة فليقولوا: من الذي فعله؟ وهل الفاعل من اليهود أم من النصارى؟ وإن كان قد وقع من اليهود، فهل حدث قبل المسيح ورسله أم بعدهم؟



إن قالوا إنه وقع قبلهم فهذا قول مردود، لأن المسيح حثَّ اليهود على تفتيش التوراة، ووبَّخ الصدوقيين على عدم معرفتها قائلاً لهم: فَتِّشُوا الْكُتُبَ لِأَنَّكُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ لَكُمْ فِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً. وَهِيَ الّتِي تَشْهَدُ لِي (يوحنا 5: 39) كما قال: تَضِلّونَ إِذْ لَا تَعْرِفُونَ الْكُتُبَ وَلَا قُوَّةَ اللّهِ (متى 22: 29) كما أن المسيح ورسله اقتبسوا عدة اقتباسات وشواهد من التوراة لا تخالف النصوص التي كانت بأيدي اليهود إذ ذاك ولا تزال بأيديهم إلى اليوم. وليس من المعقول أن يستشهد المسيح كلمة الله وروحه بآيات محرَّفة. وليس من المعقول أيضاً أن يستند تلاميذه وهم الحواريون أنصار الله على كتب تحرفت، ويثبتون تعاليمهم من نصوصها.



فإن قالوا إنّ التحريف قد وقع بعد المسيح ورسله فإن هذا أيضاً زعم باطل، لأن التوراة من زمن المسيح إلى اليوم موجودة لدى المسيحيين كما هي موجودة لدى اليهود، فلن يتجاسر اليهود على تحريفها وهم يعلمون بوجودها بين أيدي النصارى، مخافة إقامة الحجة عليهم.



وإن قالوا إنّ التحريف قد وقع من النصارى، فإنهم أيضاً يخشون ذلك كما يخشى اليهود، لأنهم لا يستطيعون تحريفاً مع علمهم بوجودها لدى خصومهم اليهود، الذين لا يمكنهم السكوت على هذا العمل الشائن المعيب. والتوراة لا زالت باقية لدى الطرفين إلى الآن بذات اللغة العبرية التي كُتبت بها. ولقد صارت مقارنة ما بيد اليهود بما بيد النصارى، فوُجدت النسختان في غاية الاتفاق. وعلى المعترض أن يمتحن الأمر بنفسه، فإذا وجد زيادة أو نقصاً أو تبديلاً في أحدهما، فيحق له إذ ذاك الاعتراض. ولكن إن وجد النسختين متفقتين كما وجدهما غيره فماذا يكون حكمه؟ هل يا ترى يقول إن النصارى واليهود اتفقوا على تحريفها سوياً؟



انّ هذا كما قلنا غير معقول، لأنه لا يُعقل أن يتفق اليهود وهم منكرو المسيح مع النصارى على تحريف التوراة، وخاصة في تلك الأقوال الواردة فيها التي توضح لاهوت المسيح وناسوته المذكورة في مواضع عدة من العهد القديم. فهل ينتظر أن يتفق اليهود والنصارى على إضافة النبوّات الخاصة بلاهوت المسيح وصلبه ودفنه وقيامته، مع أنهم يعارضون المسيح في تصريحه بلاهوته، ويضطهدون رسله لأنهم كانوا يكرزون بأنه ابن الله الحي؟



أضف إلى ما ذكرنا أنه في عصر الحواريين، وبعده بقليل، كتب كثير من العلماء الأتقياء، وآباء الكنيسة مثل: أكليمندس الروماني، وأغناطيوس ويوستينوس الشهيد وأكليمندس الاسكندري وإيريناوس الذين الّفوا كتبهم في القرنين الأول والثاني للمسيح، وكأوريجانس وكبريانوس وأوسابيوس وأمبرسيوس ويوحنا فم الذهب وباسيليوس وأغسطينوس الذين كتبوا كتبهم في القرنين الثالث والرابع، ومؤلفاتهم لا تزال موجودة لدى الطوائف المسيحية إلى الآن مفعمة بالاقتباسات من آيات الكتاب المقدس بعهديه: القديم والجديد، فإذا قارنّا ما كتبه الأولون مع ما لدى النصارى اليوم لما وجدنا فرقاً. فوجود الاتفاق الكلي بين اقتباسات هؤلاء العلماء المختلفة من التوراة والإنجيل اللذين كانا بأيديهم في أزمانهم البعيدة، قبل ظهور الإسلام، وبين النصوص ذاتها في الكتب المتداولة اليوم دليل ساطع على عدم وقوع أيّ تحريف في كتب الله المقدسة.



السبب الثاني:

فكرة المسلمين عن الوحي والإنجيل:

أما السبب الثاني فيرجع إلى نظريتهم فيما يتعلق بالوحي الإلهي والإنجيل، تلك النظرية التي تقول إن الكتب الإلهية يوحيها الله لفظاً ومعنى وإنها كائنة منذ الأزل، مدوّنة في لوح محفوظ وإن الإنجيل كتاب سماوي أُوحي إلى المسيح من السماء.



نظرية الوحي:

يؤمن معظم علماء المسلمين أن الله هو نفسه الذي كتب الكتب الإلهية التي أوحاها إلى أنبيائه ورسله الكرام، ويعتقدون أنه منذ الأزل أمر القلم فخطّ في اللوح المحفوظ نص العبارات والجمل التي أُوحيت إلى الأنبياء والرسل. ثم أنه اختار أناساً، سبق فعيّنهم ليكونوا رسله في تبليغ الأسفار المقدسة للبشر.



وبناء على هذه المعتقدات نراهم يقولون إن كل كلمة،وكل حرف، أُوحي من السماء، وبُلّغ بواسطتهم إلى العالم بطريقة آلية ميكانيكية.



فالنظر إلى الوحي الإلهي، من الناحية الإسلامية العامة، يخالف النظر إليه من الناحية المسيحية. فنحن المسيحيين (نؤمن كما يؤمن معنا أعلام فلاسفة المسلمين وحكمائهم كابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم) أن ليس عند الله لغات ولا حروف، فليس عنده إذاً إنزال آلي. فالاعتقاد المسيحي عن الوحي هو: تَكَلّم أُنَاسُ اللّهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ (2 بطرس 1: 21)



فمعنى الوحي عندنا هو إظهار حقائق غير ممكن لنا معرفتها بقوانا الطبيعية: كسرّ الثالوث الأقدس والتجسّد. وأما ما يمكن للعقل أن يصل إليه، ولكن تحت خطر الضلال، فيُسمّى إلهاماً. والوحي والإلهام أمر واحد بالنسبة لله تعالى، وأمران متميّزان بالنسبة للعقل البشري. وهما لا يعنيان أن الله لقّن الكتبة الذين كتبوا الأسفار المقدسة ما سطروه حرفاً حرفاً من تعاليم وتواريخ، بل إنّه حرّكهم للكتابة، وأنار عقولهم بالمعرفة، وحفظهم من الزلل. وليس في هذه الدرجات الثلاث ما يستحيل على الله تعالى، أو ينافي شيئاً من صفاته، كما أنّه ليس فيها ما ينزع عن الإنسان حريته ونبوغه الذاتي.



فإذا قلنا إنّ الأسفار المقدسة في العهدين القديم والجديد هي كلام الله، أو أسفار إلهية موحى بها من الله، أو منزلة من عند الله، لا نريد بذلك أنّ الله أنزلها آية آية، وكلمة كلمة، وحرفاً حرفاً، فكتبها الكاتب كما سمعها من فم الله أو ملائكته بحروفها الأصلية. لكننا نريد أنّ الله عز وجل إذا قصد بسمو لطفه وحكمته أن يُبلغ البشر شيئاً من أسراره حرّك باطنياً كاتباً يختاره فيبعثه على كتابة السفر المقصود، ثم يمده بتأييده الخاص ونعمته الممتازة، ويلهمه اختيار الحوادث والظروف والأعمال والأقوال التي شاء سبحانه كتابتها لفائدة عباده، وكان له رقيباً ومرشداً، وعصمه من الخطأ في نقلها وتسطيرها، فلا ينقل إلا ما ألهمه الله إيّاه، فيكون الرسول إذ ذاك ككاتب مطيع، في حوزة الكاتب الأسمى، وطوع إرادته.



وربما كانت بعض الحوادث والظروف مجهولة من الكاتب، فلا يصل إليها إلا إذا أوحاها الله إليه مباشرة، أو تكون معلومة لديه، أو مما يستطيع معرفته: باستطلاع الأخبار، وسؤال الشهود، والتنقيب والاستقراء، فلا حاجة عندئذ إلى تنزيلها عليه لعدم فائدة ذلك، إنما يلهمه الله كتابتها ويصونه في إيرادها عن الضلال، وهذا كافٍ لأن يُعزَى الكتاب إلى الله، فيُقال: كتاب الله، والكتاب الموحى به من الله، لأن الله هو المؤلف السامي له باختياره مواضيعه ومعانيه، وإلهام ناقليها، وتحريكهم على كتابتها بالنوع الذي أراده، وعصمته إيّاهم عن الخطأ في غضون تسطيرها من أولها إلى ختامها.



وعمل الله هذا لا يبطل صفات الكاتب الطبيعية: من ذكاء وأهلية، ومعارف لغوية، وفصاحة بديهية، ولا يخلقها فيه إذا كان ممن لم يحظ بها، لأن الله يختار من يشاء، وليس هو بحاجة إلى النُّحاة والبُلغاء ليلقي إليهم وحيه، ومن ثم لا يستلزم وحي الكتب المقدسة تنزيل الألفاظ، وتنسيق التراكيب، لكن يقتصر فيه عادة على الحكم والمعاني، فينقلها هذا في قالب مفهوم، وعبارة صحيحة واضحة، وذاك في تركيب لا يقصد به إلا إلى إيصال المعاني تامة إلى الأذهان، ولا يختلف المعنى في كلا النقلين. فشتان مثلاً بين فصاحة الشاعر البليغ كالنبي إشعياء، وبين أسلوب النبي عاموس، وكلاهما نبي ينقل آيات الله. كما أننا لا ننكر ما يمتاز به إنشاء الطبيب الأديب لوقا الإنجيلي من رقة التعبير، وانسجام العبارة اليونانية، عن إنشاء غيره من كتبة العهد الجديد، الذين الّفوا مثله باليونانية، ولكنهم يفكرون بلغة صباهم، فيُلبسون الصورة العبرانية ثوباً أجنبياً، يستشفّها القارئ من ورائه.



ولا عجب في ذلك، فإن الله إذا أوحى لنا كلامه يريد جوهر الدين ولب الآداب، ويقصد خلاص النفوس، لا قشور الحقائق وأعراضها.



فنظرة عامة المسلمين إلى الوحي الإلهي تدفعهم إلى أن يظنوا بالكتاب المقدس الظنون، وتجعلهم يعتقدون في تنزيله اعتقادهم في تنزيل القرآن من أنه رسالة أُوحيت من السماء إلى السيد المسيح، ولهذا فهم يقولون إنه لا موجب لوجود أربعة أناجيل تُنسب إلى المسيح، لا سيما وأنّ القرآن لم يذكر إلا إنجيلاً واحداً، زاعمين أنّ الإنجيل الذي بين أيدينا باعتباره أربع بشائر مختلف في بعض النصوص اختلافاً يجعل أمر تصديقها، والإيمان بعدم تحريفها متعذراً، ذاكرين في هذا الصدد ما كتبه البشيران متى ولوقا عن نسب المسيح، وما بين جدوليهما من اختلاف. مع أن المسلّم به عند الجميع أنّ المسيح وُلد من عذراء لم يمسسها بشر. ونحن لا نريد أن نترك هذا البحث دون بيان.



الأناجيل الأربعة:

الإنجيل (افنجليون) كلمة يونانية، معناها بشارة مفرحة، أو خبر سار، سمَّى بها المخلص بشارته الخلاصية، لأنها الحقيقة المفرحة التي طالما تاق الآباء إلى معرفتها، وأصبحت مرادفة تارة لتعليمه، وتارة لسيرته. وعن المخلص أخذها الرسل والإنجيليون، فقد كررها بولس وحده 58 مرة في رسائله، وردّدها مراراً الإنجيليون الأربعة، وغيرهم من كَتَبة العهد الجديد. وقد تأتي مضافة إلى الله، كما دعا بولس ذاته الرسول الْمُفْرَزُ لِإِنْجِيلِ اللّهِ، الّذي سَبَقَ فَوَعَدَ بِهِ بِأَنْبِيَائِهِ فِي الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ، عَنِ ابْنِهِ (رومية 1: 1 - 3)، ويعني بكلمة إنجيل هنا البشارة بالخلاص الموعود به في الأنبياء. وتأتي مضافة إلى المسيح (رومية 15: 19 و2كورنثوس 2: 12 الخ) ويراد بها البشرى التي أفرحنا بها المخلص بخلاصنا، أو ملخص تعليمه وأعماله. قال الرب: اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: حَيْثُمَا يُكْرَزْ بِهذَا الْإِنْجِيلِ فِي كُلّ الْعَالَمِ، يُخْبَرْ أَيْضاً بِمَا فَعَلَتْهُ هذِهِ تَذْكَاراً لَهَا (متى 26: 13) وقال القديس بولس عن قوم: لَيْسَ الْجَمِيعُ قَدْ أَطَاعُوا الْإِنْجِيلَ (رومية 10: 16).ودُعي أيضاً ,,, بِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ (متى 24: 14) و,,, إِنْجِيلَ خَلَاصِكُمُ (أفسس 1: 13) و,,, إِنْجِيلِ السَّلَامِ (أفسس 6: 15) و,,, إِنْجِيلِ مَجْدِ اللّهِ الْمُبَارَكِ (1 تيموثاوس 1: 11) و,,, إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الّذي هُوَ صُورَةُ اللّهِ (2 كورنثوس 4: 4)



وقال بولس الرسول: يَدِينُ اللّهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ (رومية 2: 16) أي بشارتي بتعليم المسيح، ونقلي لهذا التعليم. وقال أيضاً: إنه أؤتمن على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان (غلاطية 2: 7) أي البشارة للأمم كما بشّر بطرس لأهل الختان (اليهود) ومن هذا كله نرى أن مرجع المعنى واحد وهو البشرى، وإنْ تميّز بالإضافة.



ولم يلبث أن انتقل اللفظ من المعنى المضمون إلى معنى المتضمَّن، أي من معنى البشرى والتعليم الخلاصي إلى الكتاب الحاوي لتلك البشرى وذلك التعليم، فنرى في كتبة أواخر القرن الأول وأوائل الثاني كلمة إنجيل تعني سفراً أو كتاباً يتضمن تعليم المسيح وأعماله، وقد وردت عن ذلك تصريحات كثيرة في الكتب التي وُضعت في القرون الأولى للمسيحية، وهكذا فهِمَ القديسون يوستينوس وإيريناوس وأكليمندس وغيرهم من الآباء الأولين.



والآن عندما يقول المسيحيون كلمة إنجيل هم يقصدون بها: ترجمة حياة السيد المسيح كما كتبها كلّمن متّى ومرقس ولوقا ويوحنا
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
إستحالة تحريف الكتاب المقدس إسلامياً
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» إستحالة تحريف الكتاب المقدس
» إستحالة تحريف الكتاب المقدس من القرآن
» متى تم تحريف الكتاب المقدس
» تاريخ إتهام تحريف الكتاب المقدس
» شهادة علماء الإسلام بعدم تحريف الكتاب المقدس

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
مـــــــــــــنتدى رومــــــكم على البالتـــواك7ewar jaree2 fee aladyan :: (الفئة التـــــــــــاسعه اســـــــــــــلاميات) :: اســـــــــــــلامــــــــــــــــــــــيات القران-
انتقل الى: