الناسخ والمنسوخ في الأحاديث

الناسخ والمنسوخ في الأحاديث

هناك موضوع في غاية الخطورة بخصوص علم الحديث النبوي.

وهو ما يعرف بقضية الناسخ والمنسوخ في الأحاديث.

سؤال: ألم تكن قضية الناسخ والمنسوخ في القرآن؟ وهل يوجد في الحديث النبوي أيضا ناسخ ومنسوخ؟

الإجابة:

(1) تماما كما في القرآن رأينا أكثر من 62% من آياته ناسخة ومنسوخة، هكذا في الأحاديث أيضا ما يفوق الحصر من المنسوخات.

(2) وكثيرون من علماء الحديث كتبوا في موضوع الناسخ والمنسوخ في الأحاديث النبوية مثل:

1 الإمام أحمد بن حنبل.2 أبو داود السجستاني3 أحمد ابن اسحق4 ابو مسلم الأصفهاني5 الجعد الشيباني6 ابن شاهين البغدادي7 جمال الدين الجوزي

وغيرهم كثيرون.



سؤال: هل يمكن أن تعطينا بعض الأمثلة من الناسخ والمنسوخ في الأحاديث النبوية؟

الإجابة:

(1) سأكتفي باقتباسات من رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها الدكتورة كريمة بنت علي من جامعة الرباط، عن دراساتها وتحقيقها لكتاب "ناسخ الحديث ومنسوخه لابن شاهين البغدادي" وصدرت في كتاب عن منشورات دار الكتب العلمية بيروت سنة 1999م.

(2) أحاديث "غسل الوعاء الذي يشرب فيه الكلب والقطة"

1 جاء في (سنن البيهقي كتاب الطهارة باب سؤر [ما تبقيه] الهرة حديث رقم 247) "عن أبي هريرة، قال رسول الله: طهروا إناءكم إذا ولغ فيه الكلب، [طهروها] سبع مرات.. والهرة مرة"

2 جاء في (سنن الترمزي حديث 154 كتاب الطهارة باب سؤر الهرة) "عن عائشة: كان رسول الله تمر به الهرة فيُميل لها الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها، وشرب منها [كما جاء في موطأ ابن مالك حديث 22]". (لم يطهر الإناء بحسب نص الحديث السابق)

3 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (ص 236و 239)



سؤال: قد يقول أحد المشاهدين أن هذه أمور بسيطة لا تهم. فمارأيك؟

الإجابة:

(1) يا عزيزي ليست المشكلة في أنها أمور بسيطة أو كبيسة، المهم المبدأ ذاته: وهو التناقض في الأحاديث، مما يفقدها مصداقيتها.

(2) ثم أنها ليست تافهة فقد ذكرتها الدكتورة كريمة ضمن التناقضات التي حصلت بها على الدكتوراه.

(3) وإليك هذا الحديث الآخر عن "غسل المرأة مع الرجل، وما يناقضه"

1 جاء في (سنن ابن ماجه كتاب الطهارة حديث 151) "نهى رسول الله أن تغتسل المرأة بفُضل الرجل [أي بما يتبقي من غسله] ولا الرجل بفضل المرأة.

2 ولكن جاء في (سنن ابن ماجة نفسه باب الطهارة حديث 77) "عن ميمونة [زوجة محمد] أجْنَبْتُ [بعد الجماع] أنا ورسول الله، فاغتسلت من جفنة وفضلت فيها فضلة، فجاء النبي واغتسل منها، قلت: يا رسول الله إنها فَضُلَتْ مني فقال: ليس على الماء جنابة" (ونقض الحديث السابق)

3 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (كتابها ص 151)

(4) وعلى ذكر الماء جاء في (مسند أحمد 11391) "عن‏ ‏أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَنَّهُ ‏‏قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ‏يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَتَوَضَّأُ مِنْ ‏ ‏بِئْرِ بُضَاعَةَ ‏ ‏وَهِيَ بِئْرٌ يُطْرَحُ فِيهَا الْمَحِيضُ وَلُحُومُ الْكِلابِ وَالنَّتْنُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ‏ ‏إِنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ"

(5) وبمناسبة الوضوء أذكر حديثا آخر عجيبا: جاء في مسند أحمد كتاب الطهارة باب الوضوء بالنبيذ حديث 165) "عن عبد الله بن مسعود: قال النبي ليلة الجن: "هل معك ماء؟ قال لا. قال: هل معك نبيذ؟ قال نعم. قال: ثمرة طيبة وماء طهور، فتوضأ به"



سؤال: بدأنا ندخل في الجد، فماذا لديك في هذا الملف؟

الإجابة:

(1) هناك أيضا حديث ونقيضه عن التبول قائما:

1 جاء في (سنن ابن ماجه كتاب الطهارة باب البول قاعدا حديث 112) "عن جابر بن عبد الله قال: نهى رسول الله أن يبولَ الرجل قائما"

2 ولكن جاء ايضا في سنن ابن ماجة كتاب الطهارة باب البول قاعدا حديث 130) "عن المغيرة بن شعبة: أن النبي أتى سباطة قوم [أي مزبلتهم] "ففرج رجليه وبال قائما" (بما يناقض الحديث السابق)

3 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (ص 163و 164)

(2) وطالما أوردنا حديثا عن البول، فالشئ بالشئ يذكر، فهناك أحاديث متناقضة عن الغائط [البراز] أيضا:

1 جاء في (سنن النسائي كتاب الطهارة حديث 38) "عن أبي هريرة: قال رسول الله: أنا لكم مِثُلُ الوالد أعلمكم، إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها" (يعني لا بوجهه ولا بظهره، وإنما يضبط نفسه مشرق مغرب).

2 ولكن هناك تناقض مع هذا الحديث بما جاء في (صحيح البخاري 156) "عن عائشة: رأيت النبي يستقبل القبلة لحاجته بعد النهي" (على عكس ما جاء في الحديث السابق)

3 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (ص 169و 171)



سؤال: إن تساؤلي هو ما قيمة هذه الأمور حتى تذكر في كتب يعتبرونها مقدسة؟

الإجابة:

(1) ولهذا أنا اذكر هذه الأمور حتى يتفضل أصحاب الفضيلة ويفهموننا القيمة التي من أجلها يذكرون هذه الأمور التي تصل إلى حد الخجل في قراءتها؟

(2) وطالما نحن نكشف عما في الأحاديث من أمور غريبة، فهناك ما هو أغرب بحق ومخجل أيضا.

(3) اسمع هذا الحديث ونقيضه:

1 ذكر الترمزي في (جامعه كتاب الطهارة حديث 85) "عن عائشة أن رسول الله قال: من مس فرجه [أي ذكره] فليتوضأ"، وأضافت "إن النبي أعاد الوضوء في مجلس فسألوه فقال: إني حككت ذكري"

2 ونقرأ النقيض في (مسند أحمد حديث 22) "عن أبي قيس بن طلق عن النبي أنه سؤل عن الرجل الذي يتوضأ من مس الذكر؟ فقال: "وهل هو إلا بضعة من جسدك؟"

3 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (كتابها ص 197 219)



سؤال: أمور ذكرها أيضا قبيح كما يقول الكتاب المقدس.

الإجابة:

(1) لا تندهش يا عزيزي فهناك ما يزيد عن 10 آلاف حديث عن هذه المواضيع الجنسية.

(2) هناك تناقض آخر بخصوص الاغتسال من الجنابة [أي بعد الجماع].

1 جاء في (سنن ابن ماجه باب الطهارة حديث 205) "عن عائشة قال النبي: إذا أراد أحدكم أن يرقد وهو جنب فليتوضأ" وعن ابن هريرة: قال رسول الله: لا أحب أن يبيت المسلم وهو جنب لأني أخاف أن يموت فلا تحضره الملائكة"

2 واسمع نقيض ذلك: جاء في (موطأ بن مالك كتاب الطهارة حديث 46) "عن عائشة قالت: كان رسول الله يصيب من أهله ثم ينام ولا يمس ماء"

3 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (كتابها ص 226 230)



سؤال: أمور غريبة

الإجابة:

(1) بل وهناك ما هو أغرب من هذا.

1 جاء في (صحيح مسلم كتاب الحيض حديث 217) "عن أبي سعيد الخدري: قال رسول الله: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود [إلى الجماع] فليتوضأ".

2 وجاء النقيض في (صحيح مسلم كتاب الحيض حديث 734) "عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِىَّ كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ

3 وأضاف الطحاوي: "عن عائشة قالت: كان رسول الله يجامع ثم يعود ولا يتوضأ وينام ولا يغتسل" (شرح معاني الآثار للطحاوي كتاب الطهارة حديث 127)

4 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (كتابها ص 240 242)



سؤال: وهل برأيك الاغتسال بالماء يطهر الإنسان كما هو مذكور في الأحاديث النبوية؟

الإجابة:

(1) الواقع أن عملية الاغتسال للتطهير هي عادة يهودية، قد ذكرت في التوراة والتلمود، ونقلها محمد عنهم.

(2) والحقيقة أن الماء ينظف الجسد من الخارج من الأتربة والقاذورات، ولكنه لا يستطيع أن يطهر القلب من الداخل.

(3) والوسيلة الوحيدة التي يوضحها الكتاب المقدس للطهارة الداخلية هي في قوة فعالية دم المسيح الذي سفك ليطهرنا كما هو مكتوب "دم يسوع المسيح يطهرنا من كل خطية" (1 يو 1: 7).

(4) ولهذا يقول الكتاب المقدس عن المسيح أنه: "أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه" (رؤ1: 5)

(5) فلابد أن يغتسل الإنسان بالماء للتنظف من القاذورات، ولكن عملية التطهير من الداخل موضوع آخر.



سؤال: عود إلى المتناقضات في الأحاديث النبوية، هل هناك ملفات أخرى؟

الإجابة:

(1) ملف قصة الآذان:

1 جاء في (سنن ابن ماجة كتاب الصلاة حديث 241، وسنن ابن داوود حديث 135و136و 189) "عن ابن عمر: أن رسول الله أستشار المسلمين فيما يجمعهم على الصلاة، فذكروا "البوق، فكرهه من أجل اليهود، ثم ذكروا الناقوس فكرهه من أجل النصارى، فبينما هم على ذلك قام عبد الله بن زيد الأنصاري وقال أنه رأى في النوم رجلا مر به في يده ناقوس، فقلت تبيع الناقوس؟ فقال ماذا تريد به؟ قلت لكي أضرب به للصلاة لجماعة المسلمين. فقال سأحدثكم خيرا لكم من ذلك، تقول الله أكبر، الله أكبر.. إلخ.

2 ويأتي ما ينقض القصة من أساسها في (مسند البزار حديث 204و والحافظ بن حجر العسقلاني في الفتح حديث 78) "عن على بن أبي طالب قال: لما أراد الله عز وجل أن يعلم رسول الله الآذان، أتاه جبريل بدابة.. [وذكر حديث المعراج] وقال: خرج ملك من وراء الحجاب فقال رسول الله من هذا؟ قال جبريل: إن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت. فقال الملاك: الله أكبر، الله أكبر. فقيل له من وراء الحجاب: صدَق عبدي أنا أكبر، أنا اكبر. فقال الملاك: أشهد أن لا إله إلا الله. فقيل له من وراء الحجاب: صدَق عبدي أنا لا إله إلا انا. ثم قال الملك: أشهد أن محمدا رسول الله. فقيل له من وراء الحجاب: صدَق عبدي أنا أرسلت محمدا. ثم قال الملك: حي على الصلاة حي على الفلاح، قد قامت الصلاة. فقيل له من وراء الحجاب: صدَق عبدي ودعا إلى عبادتي. ثم قال الملك: الله أكبر الله أكبر. فقيل له من وراء الحجاب: صدَق عبدي أنا أكبر أنا أكبر. ثم قال الملك: لا إله إلا الله. فقيل له من وراء الحجاب: صدَق عبدي أنا لا إله إلا أنا.

ثم أخذ الملك بيد محمد فقدمه فأم أهل السماء وفيهم آدم ونوح صلى الله عليهم.

3 وقد أضاف الحافظ في (الفتح حديث 78) "عن عائشة: قال رسول الله: لما اسري بي إلى السماء أذَّن جبريل، فظنت الملائكة أنه يصلي بهم، فقدمني فصليت بالملائكة"

4 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (كتابها ص 269 277)

5 فمن نصدق هل تعلم الآذان في ليلة الإسراء والمعراج؟ أم من عبد الله بن زيد الأنصاري؟ تساؤل



سؤال: هل سنحظى بردود على هذه التناقضات؟ ولكن كم هي عدد الأحاديث المتناقضة؟

الإجابة:

(1) إن كانت الأحاديث قد بلغت ثلاثة ارباع مليون حديث كما مر بنا، فماذا تتوقع أن تكون الأحاديث المتناقضة.

(2) إن رسالة الدكتوراه التي حصلت عليها الدكتورة كريمة بنت على قد حققت حوالي مائة باب فقط من الأحاديث، وأورردت في كل باب عشرات من الأحاديث المتناقضة.



سؤال: هل يمكن أن تعطنا في نهاية هذا العرض مثلا أخيرا عن هذا التناقض في الأحاديث؟

الإجابة:

(1) حديث ذهاب محمد إلى الجن:

1 جاء في (تفسير ابن كثير لسورة الأحقاف) "عن عبد الله بن مسعود: أن رسول الله أخذ بيده عشاء، وانطلق يمشي، ثم خط برجله حولي خطا، ثم قال: لا تبرح حتى آتيك. فانطلق حتى كان في وجه الصبح أتاني، فقلت: يا نبي الله أين كنت؟ فقال: أرْسلت إليَّ الجن. فقلت: يا نبي الله، ما هذا الصوت الذي سمعت آنفا؟ قال هو وداع القوم حين أقبلت من عندهم.

2 والعملية كدة بصراحة تثير الشكوك، فكم من قصص نسمعها عن أناس خطفهم الجن ثم عادوا!!!

3 ولكن جاء ما يتناقض مع هذا الحديث في (صحيح البخاري كتاب التفسير سورة الجن حديث 4921 وتعليق العسقلاني ج 2 ص 2157) "عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله على الجن ولا رآهم"

4 وهذا ما أثبته ما جاء في (صحيح مسلم كتاب الطهارة باب الجهر بالقراءة في الصبح حديث 11) "عن عبد الله بن مسعود قال: "لم أكن مع النبي ليلة الجن ووددت أني كنت معه" أمور محيرة لقد كذب ابن مسعود ما بين حديثه الأول والثاني.

5 وتذكر د. كريمة هذا التناقض بين الحديثين في (كتابها ص 182 188)